من ينقذ الأمة من التدهور

إن العالم يعيش الآن في قلق و ارتباك، ويمسي في ترقب، ويصبح في خوف وذعر. وشاع المجون والشجون في كل قطر من أقطار الأرض. وساد الدنيا كلها  ظلام حالك مطبق،
وفشى الاستبداد والحكم الجائر من أدنى الشرق إلى أقصى الغرب. واندلعت الاشتباكات بين القوى الكبرى، بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية للسيطرة على أزمة العالم. ويزيد الصراع بين المادة والروح، وبين الإيمان والكفر، بين الإلحاد والدين، وحالت بين المرأ وعقيدته طموحات ورغبات الدنيا، ورسخت الحياة المترفة الباذخة في قلوبهم، وانغمروا في الجاهلية بتقليد الغرب وثقافتهم الساخفة.
وإن هذا المسلم اليوم فقد روحه ولوعة قلبه مع مرور الزمن، وإكسير الحب مع أنه لا يشعر به. وأنه هوى من قمة المجد إلى حضيض الهوان والذلة بترك سنة نبيه في حياته. وأنه  هبط من تلك الذرى التي وصل إليها بكل إيمان وبطولة لكنه لا يحس به.
وهذا المسلم البائس أصبح اليوم منعزلا عن الحياة الدينية وبعيدا عن السنة المشعلة، وقد يتبع هواه وغوى، فطغى.
وها هي الأمة المنكوبة الهاوية من ذروة العزة لا تزال الدهور تعاديها. ولا يزال ركبها تائها في المفاوز والصحارى بعيدا عن غايتها وسنن نبيها ودينها ومنزلها. وما سادت الأمة من الاضطرابات الطائفية والفوضى الخلفي والعنف الدامي، إلا بما عاشت بدون كتاب الله وسنة رسوله. فقد وضعت الأمة الكتاب الذي قادت به العالم، وفتحت به الدنيا في بيته الخرب على رف تراكمت عليه الغبرة، ونسج عليه العنكبوت.
وقد توجهت إلى العالم الإسلامي الحركة اللادينية بشكل علني، وفاضت العلمانية والإلحادية في الأمة كالسيل العرم التي جرفت الأمة بكل ما فيها من الدين والشريعة.
والعلم الحديث، والحضارة المادية، والاختراعات الجبارة لم توفر للإنسان الراحة والطمأنينة والأمن والاستقرار، وقد ارتقت العلوم بالناس إلى سطح القمر، ولكنه عجزت أن توفر له السعادة على وجه الأرض، وقد رفعت الإنسان إلى السماء في حين هو غائص في الأوحال والقمامات.
والحضارة المادية قد وفرت للإنسان وسائل الرفاهية والمتعة كلها، ولكنها لم توفر له الأمن في البيت والمجتمع والدولة .ولم توفر السكينة في قلوب الناس.
الغرب الذي ملك جميع العلوم والتكنولوجيا يشتكي من الفراغ الروحي، والتوتر العصبي، والقلق النفسي، والتحلل الخلفي.
كان العالم قبل البعثة تسوده الجاهلية العمياء، جاهلية العقائدة المنحرفة، والأخلاق المنحطة، والتقاليد الفاسدة والسياسات المستبدة.
وعالم اليوم تسوده جاهلية جهلاء، جاهلية على الغرار الجديد. وجاهلية المادة التي تغفل الروح، وجاهلية الميول التي تنسي الآخرة، والعقل الذي ينكر القلب والسلطة التي تصول على الحق وأهله، والشهوة التي تهزم الفضيلة.
فعالم اليوم كعالم ما قبل البعثة، هيكل بلا روح، وسراج بلا زيت، وبناء بلا عماد.
( ظهر الفساد في البر والبحر بماكسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. الآية )
عالم اليوم على شفا جرف من النار.
فمن ينقذ العالم والأمة الإسلامية من هذا التدهور والانحلال والانحطاط؟
فمن يمسك بتلابيبه ؟
فمن يطفئ النار التي انتشرت في الأمة قبل أن يتطاير شررها ويتفاقم خطرها، ويكون وقودها الناس والعمران.
وحاجة البشرية إلى رسالة تنقذها:
الإنسانية في حاجة ماسة إلى الرسالة التي تروي أوارها وتملأ فراغها النفسي، وتنجيها من أخطار القلق الفكري والاضطراب الجماعي، والتناحر السياسي، والتي تأتي في الدنيا بالسعادة والطمأنينة والسكينة، والتي تملأ قلوب الناس فرحا وسرورا، والتي تخرج البشرية من الظلمات الحالكة إلى النور الوهاج، إلى نور الإيمان والخير والسعادة.
فمن تحمل هذه الرسالة ؟
ومستحيل أن تكون الأمة اليهودية أن تحمل هذه الرسالة، والأمة التي تحرف التوراة، وافترت على الله الكذب، والتي تستحل دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم .
(ليس علينا في الأميين سبيل. الآية )
وهم مصدر القلاقل والفساد في الدنيا في شتي المناطق، وقد شهد به التاريخ والواقع.
(لعنه الله وغضب عليهم  وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. الآية)
كما عبر القرآن الكريم:
ولا يمكن أن تكون الأمة المسيحية أن تحمل هذه الرسالة، لأن المسيحية لم تكن في يوم من الأيام من التفضل ومعالجة قضايا الناس بحيث تقوم عليها مدنية زاهرة وتسير في ضوئها دولة، لأنها لا تبقى على تعاليم المسيح -عليه السلام- السمحة حتى أصبحت مزيجا من خرافات الجاهلية والوثنية واضمحلت في جنبها تعاليم المسيح – عليه السلام – كما تتلاشى القطرة من الندى في اليم.
وصارت المسيحية نسيجا من طقوس ومعتقدات لا تغذي الروح، ولا توقد العقل، ولا تحل المشاكل والعراقيل، ولاتضيء الطريق. والمسيحية التي لا تستطيع أن تجاري النظم الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، فكيف تستطيع أن تنقذ البشرية بحمل هذه الرسالة ؟! لأنه ليست في صميمها أية فكرة عن الحياة الواقعية العملية فضلا عن الحياة الدينية السعيدة. بل إنما تحمل هذه الرسالة الأمة الإسلامية.
هي الرسالة الربانية العالمية الخالدة، رسالة الإسلام الذي يقدم للنفس عقيدة توافق الطبيعة، ورسالة الدين الذي يعرض على المجتمع نظاما محكما يلائم ازدهار الحياة، ورسالة السنة النبوية التي تدعو الناس إلى التخلق بأخلاق النبي- صلى الله عليه وسلم- وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.
ورسالة العدل التي تساير الحق والحرية الدينية، وتحارب البغي والظلم والاضطهاد والاستعباد، والاستبداد.
وإن هذه الرسالة رسالة قرأنية محمدية، ليست شرقية ولا غربية ولا شيوعية ولا رأسمالية. وإنما يحمل هذه الرسالة علماء الأمة لا الدهماء و لا الغوغاء من الناس، لأن العلماء ورثة الأنبياء.
فعلى العلماء أولا أن يعتنوا كتاب ربهم وسيرة نبيهم، و أن يسلكوا مسالكهم بطريق السنة، ثم عليهم أن يحثوا الناس على العمل وفق السنة النبوية الراشدة. فإذا قام العلماء والناس جميعا بأعمالهم في المجتمع وفي الإدارة، وفي الحكومة وفي البلاد، وفي العالم وفق السنة فاستقام الأمر، أمر الدنيا والأخرة، وعادت السعادة والطمأنينة إلى الحياة البشرية كلها.
ويحتاج علماء الإسلام إلى وحدة الكلمة، وإلى قيادة مؤمنة وإلى تضحيات غالية للدين وللأمة، وهذه الأمور تتجه إلى السنة النبوية المشرفة، والسنة هي أكبر وسيلة تهيئ للأمة المكانة المرموقة، و السنة النبوية هي كأشعة الشمس التي تحمل النور والحرارة والحياة معا.
فعلى العلماء أن يلعبوا دورهم العلمي و العملي، والروحي والتربوي والخلقي في البلاد والعباد وفق السنة، حتى تدب في العالم والأمة الروح، وتعود إليهما الحياة والحركة والسعادة والطراوة. والله هو الموفق والمستعان، آمين، يا رب العالمين.