كتبه حماد رحماني الندوي
عميد كلية اللغة العربية وآدابها
بالجامعة الإسلامية دار العلوم المدنية، جاتراباري، دكا البنغلاديشية
مكة ووضعها الاجتماعي قبل نزول الوحي
صحراء مترامية إلى كل جهة تتدلى عليها السماء الزرقاء . و الأراضي كلها قاحلة لا تنبت كلأ ولاعشبا ،و ليس هناك تبن، ولا حشيش. و أوراق النخلة الذابلة تترنح بالرخاء، و الرمال ملتهبة التهاب الحديد تحت المنفاخ . و الصخوروالأشواك والأقتاد على صفحتها مبعثرة . و تلمح صور باهتة السراب من بعيد وقريب . وطلعت الشمس في غيم متراكم ، و الطير الرابض في مجثمه ينفض ندى جناحيه في أشعتها ، و لم تكد تتلألأ . و التلال ناطحة السحاب ،عالية الذرى يتراءى منها للناظر بيت الله الحرم.
وها هي أم القرى! ليس هناك معين حياة ينبع ، و منبع ماء زلال يرتوي منه الناس الحوم في دينهم و دنياهم، بل غار ما غار!،
وقرع ما قرع !.
و هاهي مكة العامرة تموج بالمسرات والمباهج، عمرها إبراهيم عليه السلام بعد أن كانت أرضا جرداء لا يكسوها عشب ولا خضرة ، و الكواكب مطلة من علياء صفحة سمائها الصافية و تحتها رمضاء متقدة و صحراء مضطرمة تخرج منها القيظ و الغيظ .
وأهلها يعج بشبابها النشوان الذي لا تخمد أشواقه إلى الأهواء والملذات. وجعلت المفاوز و الطقوس أهلها العرب جبابرة و أقيالا فارهين يغنون بأمجاد آبائهم و أجدادهم ، يمرحون ويفرحون كأن الحياة كلها مهرجان عريض ، وسالت عين حياتهم ثجاجة .
وليس هناك قيود و سدود في الحياة تمسكهم من التردي و تذودهم عن الخراب.
شوارع مكة تخبط فيها الفتية خبط عشواء.
و ليس هناك نور مقدس يشعل قلوبهم الخفاقة بل ذوى و ذبل . و خفت الضوء الذهبي الذي يشرق بنور ربه بعد أن أطلقوا عنان نزواتهم ، ورغباتهم ، و بعد أن قدموا البطون و الشهوات على نقاء النفوس و الأرواح . فلم يكن للأخلاق جذور في عين وجودهم . وليس لهم سلطان و نفوذ على أرواحهم و قلوبهم تتفجر مهنا المحبة و الخير، فأغلقوا أبواب قلوبهم و نوافذها دون النور الإلهي الأسمى، فلم يعرفوا ذواتهم ليعرفوا ذات الله.
فيهيمون في طرقات ملتوية لا تقود إلا إلى عتمة حالكة ، و صرموا كل العلائق بالذات العلية، و يعدون وراء عالمهم المادي. و قطعوا كل علاقة بالروح ، ويسيرون وراء أغراضهم التافهة .
وقوافلهم التجارية بين السير والسرى من اليمن إلى الشام و من تهامة إلى حضرموت والناس جاثمون أمام الأصنام في أفناء الكعبة و داخلها يهتفون ل ” الات و الغزى . و دار الندوة مثل خلايا النحل يطفح بزعماء القبائل و العشائر شيبا و شبابا .
و سوق دومة الجندل و عكاظ مزدحمة بالناس و مفعمة بمباريات الشعر و مبارزات الرياضة ، والنساء تساوم في الأسواق والرستاق كالمتاع ،
وتفاخر بالأنساب والحمية الجاهلية شائع في البلاد والعباد ، ورحى الحرب يدور كهالة القمر و ليس حرب بعاث ببعيد و ليس ببكة أحد من يهمه دينه و خلقه ،
وليس هناك أحد يبحث عن حقيقية ما فيه قريش من الأوثان و الآله و عن حقيقة الخالق الواحد الحق المبين ، بل جرت الأيام مجراها الطبيعي و سارت في مسارها هادرة صاخبة مثقلة بفجورها و تقواها…. و ما أغرب تقواها ..!!
وها هي مكة عالم خراب و كون يباب …!!
يوم نزل الوحي
هناك أحد تقي نقي بعيدا عن مظاهر هذه الحياة يستشرف الحق و يكدح في سبيله وحيدا ، كان يتأمل و يتعبد في خلوة ووحدة.
وكان يختلف إلى غار حراء يعكف فيه بكل شوقه و توقه إلى مناجاة ربه نافضا وراء ظهره كل ما تزخر به مكة من صخب و زحام ،
وهو وحيد في غار حراء في ظلمة الليل يناجي ربه و قلبه ينطوي على الهموم والأحزان لما فيه مكة من الأوثان ، ولا تهب فيها ريح الإيمان و لا تتحرك فيها شجرة مباركة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء،
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍۢ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ،( سورة إبراهيم :24)
وهناك لا تملأ نفسه نورا و قلبه لذة وسرورا إلا المناجاة بربه .
وفوقه في السماء قمر منير أنار الأرض وجادها ونهادها و رطبها ويابسها ولكن الأرض لم تشرق نفسها فتنير ظلمتها و تبدد ما أظلمها من الفجور والشجور بل سادت في نفسها ظلمات بعضها فوق بعض.
وينحدر القمر قليلا قليلا إلى مغربه فكأنه يريد أن يفارقه ، و نوره الساطع أخذ في الانكماش شيأ فشيأ إلى أن طلع الفجر وارتحل -عليه السلام – إلى داره. هكذا استمر إلى عدة سنوات و هو يتخلى فى غار حراء بنفسه ….
وأطل شهر رمضان الكريم بنوره وبركته على الكون سنة تسع وستمائة للميلاد، ورسول الله سار إلى غار حراء على عادته المتبعة ليتعبد ويشاهد روعة الخلق والخالق فوجد الرسول العالم على غير شكله، الفضاء والكواكب في مهرجان إلهي فريد من الإبداع كأن النجوم فى حفلة سمر يتحدثن سويا، وقال فى نفسه معجبا: ما الذي بعثهم على الاحتفال والاهتلال ؟
ورأى الجبال شاهقة الارتفاع .. وفكر من أعطاها هذا الارتفاع ؟ !
رأى ضبابا يتهافت على المنحدرات ..
ويتسائل من أنزل الماء من السماء فإذا الإنسان يشرب ويرتوي و كذا الزروع والحيوان ؟!
هكذا ينغمر في التفكير لحظات .. وشعر بهدوؤ وهمود حوله فجأة ..!! يكاد يسمع نبض الدم في العروق.
ومن جانب آخر يفيض قلبه بالحب لربه و تدمع عيناه شوقا للقائه ورؤياه و لم يتمالك نفسه .. وصاح صيحة من داخله لا رب إلا الله.
فإذا لمع في الجو نور شديد الضياء على غير انتظار ، ما رأى محمد الأمين مثله من قبل. لقد أضاء الغار المظلم فكأن الشمس سطعت بالليل وتبدلت الدنيا بنورها الوهاج .
وإذا يرى مخلوقا من نور غريب الشكل والصورة ليس كأحد من البشر . يبدو أنه ملك من الملائكة .
وتقدم الملك إليه وجذبه جذبة وغطه بقوة واعتصار حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ ..
فقال الرسول: ما أنا قارئ..
وعاد الملك جذبه وقال : اقرأ ..
فقال : ما أنا بقارئ …
وكان يخيل إليه أنه أوشك على الموت ، فتركه الملك ،
ثم أخذه الملك وغطه الثالثة فقال : اقرأ ثم أرسله و قال :* اقرأ باسم ربك الذي خلق*
خلق الإنسان من علق * (سورة العلق :1-2) إلى آخر ما نزل..
ثم ارتقى الملك إلى السماء بعد أن أعلن مختارها و مصطفاها الذي طال ترقبه و انتظاره ..
والرسول خائف مرعوب قد امتلأ الجسد و الملابس عرقا من الذعر واحمر وجهه المبارك ، غادر الغار مسرعا تغذ الرهبة خطاه و يسائل نفسه ما هذا الذي حدث فجأة ؟ و يلتفت وراءه و أمامه و عن يمينه وشماله فيطمئن إلى أنه وحده وليس هناك أحد والرسول لا يدري أيان يسير!. فتتشبث قدماه بالأرض و يستقبل أذناه هذا النداء من الأفق “يا محمد “
أنت رسول الله و أنا جبريل “
فتوقف الرسول لحظة ثم يستأنف السير مقتلعا من الرمال خطاه متجها إلى البيت ،
حاملا إلى البشرية وثيقة رشد جديد .
فوصل البيت وهو يقول: زملوني زملوني.
و جسده يرتجف ويرتعد كالزلزال .
ففزعت خديجة أشد فزع لما رأته ، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث في غار حراء من غير إشارة سبقت و قال لها لقد خشيت على نفسي !؛
فقالت خديجة كلا …. وأبشر…
فوالله لا يخزيك الله أبدا ،
فإنك لتصل الرحم ، وتقري الضيف و تحمل الكل ، و تكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق.
ثم ذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فلما أخبرته قال ورقة هذا هو الناموس – أي الوحي – الذي كان ينزل على موسى و عيسى ، يا ليتني أكون حيا قويا إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (و هل سيخرجني قومي ؟! )
قال ورقة ما جاء رجل بمثل ما جئت إلا عاداه قومه، ولو كنت قويا لنصرتك عليهم نصرا مؤزرا.
فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا سعيدا معه خديجة . سعيدا لأنه صار نبيا و حزينا لأن قومه سيخرجونه من بلاده .
عاد رسول الله إلى غار حراء مرة أخرى ؛
لعله يرى ذلك الملك الذي نزل عليه من قبل ، لكنه لم يعد إليه تارة أخري .
فلما أوشك على العودة إذا في الأفق يلتمع الضياء ، ويراه جالسا بين السماء والأرض على الكرسي فارتعب منه . وأسرع بالرجوع إلى خديجة و هو يردد ( زملوني زملوني)
(صحيح البخاري: رقم الحديث 3)
ثم تتوالى روحات جبريل وغدواته بين السماء و الأرض .. بين الله ورسوله ..
تبليغ مهمة الوحي
و هكذا بعث الله رسولا عربيا منهم إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، معلما و مزكيا .
كما قال الله تعالى: هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ . (سورة الجمعة: 2)
وإنما بعث الرسول ليجرخ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، و من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام.
ويحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث،
و يضع عنهم أغلال الرق، و أقفال العبودية،
ويهديهم إلى الصراط المستقيم. كما عبر عنه القرآن:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، (سورة المائدة:15- 16)
فراح الرسول صلى الله عليه وسلم يغير اتجاه الناس من الشر إلى الخير، و يحول نفسية الإنسان من الفساد إلى الصلاح، ويقتلع جرثومة الخراب و الفساد من المجتمع، ويكبح جماح شهواتهم و يحسم مادة الشر ، و يغرس فيهم الإيمان بالله و حب الخير والفضيلة، ويربي نفوسهم تربية قرآنية، و يهذب أخلاقهم وأعمالهم ، و يأمرهم بالخضوع أمام رب الأرباب خمس مرات عن نقاء الجسم و صفاء القلب.
ولم تزل نصائح الرسول الغالية تزيدهم رسوخا في الدين ،و عزوفا عن الأهواء و تفانيا في سبيل الله ، و حنينا إلى الشهادة ، وحرصا على العلم والفقه في الدين حتى صاروا نجوما وكواكب يهتدى بها الناس في دياجير الليل ودسماته . و أصبحوا نماذج يقتدى بها في المجتمع والدولة.
وصاروا مظهر الآية التالية: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ، (سورة آل عمران: 110).
واجبتنا تجاه القرآن الكريم
نزول القرآن الكريم كان حدثاً عظيماً جداً وانعطافا لافتا في مجرى التاريخ حيث غيّر القرآن وجه الأرض و تاريخ البشرية جمعاء، وأخرج الناس من دياجير الشرك إلى نور التوحيد، ودلّ البشرية إلى طريق الخير والهداية والنجاة بعدما كانت تتخبّط في التيه والضلالة، فالقرآن الكريم أكبر نعمة أنعمها الله -تعالى- على البشر، مصداقاً لقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ، (سورة العنكبوت: 51 ) . ومن الجدير بالذكر أن للقرآن الكريم حقوقاً ينبغي على كلّ مسلمٍ مراعاتها، ويمكن بيانها فيما يلي:
الإيمان به: حيث يجب على كل من بلغه القرآن الكريم، الإيمان بأنه كلام الله -تعالى- حقيقةً، لا كما ادّعى الكفّار بأنه تنزّلاتٍ شيطانية ( نعوذ بالله)، أو كما ادّعى أصحاب التأويلات الباطلة بأن القرآن الكريم عبارة عن كلام الله، بل هو كلام الله حقيقةً، ويجب أيضاً الإيمان بأن القرآن الكريم محفوظٌ بحفظ الله -تعالى- فلا يعتري عليه تحريف المحترفين وتأويل الجاهلين، وأن منه الناسخ والمنسوخ، بالإضافة إلى أنه ناسخٌ للكتب والشرائع السابقة كلّها.
تلاوته وتدبّر معانيه: من أهم واجبات المسلم نحو القرآن الكريم تلاوته حقّ التلاوة، فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن حيث قال: وَاتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دونِهِ مُلتَحَدًا ،( سورة الكهف : 27 ).
وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ، (سورة فاطر:29- 30 ) . وينبغي أن تكون التلاوة على الوجه الذي يريد الله -تعالى- من خلال الاعتناء والاهتمام بمخارج الحروف، وإعطاء الحروف حقّها، وتعلّم أحكام التجويد التي تلقّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل -عليه السلام- وعلّمها للصحابة رضي الله عنهم، وعلّموها لمن بعدهم إلى أن وصلت إلينا.
ومن واجبات المسلم تجاه القرآن أيضا تدبر المعاني القرآنية بعناية فائقة، حيث قال الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَٰفًا كَثِيرًا ، (سورة النساء : 82)
تعلّمه وتعليمه: من الأعمال الفاضلة القيمة تعلّم القرآن الكريم وتعليمه، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ،.
( رواه البخاري : رقم الحديث 5027) .
ومن صور تعلّم القرآن الكريم حفظه وتحفيظه للغير، ولا شكّ أن في ذلك أجرٌ عظيم، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها ،(رواه أبو داود: رقم الحديث 1464).
التوقير: من الواجبات صوب القرآن الكريم توقيره و إكباره بأن لا يُجعل فوقه كتاب، بل يجب وضعه فوق جميع الكتب، والحذر من إهانته بأي شكلٍ من الأشكال، كإلقائه على الأرض أو أماكن النجاسات والقذارة، أو تركه في متناول الأطفال ليعبثوا به، ومن الجدير بالذكر أن أهل العلم قالوا بكفر من أهان القرآن الكريم متعمّداً، واعتبروه من الكفر العملي الذي يدلّ على وجود كفر في القلب أصلاً.
إحسان التطبيق في الحياة: فالتطبيق يعني فيما يعني، أن يكون القرآن العظيم دستور الحياة اليومية للمسلم، فعلمه وعمله وتفكيره، وتدبيره لشؤون حياته وإدارته مكاتب الحكومة والنظام…. كلها تكون خاضعة للمنهج الإلهي القويم. وإن من أكبر الجرائم والعيوب أن يحسن الواحد منا تلاوة القرآن وفهمه ثم هو يتنكب طريق التطبيق و يعرض عنه على مضض، أو أن يأخذ في تطـــبيقه بأمور توافق هواه ويترك غيرها. أَفَتؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ(سورة البقرة : 85).
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
صحراء مترامية إلى كل جهة تتدلى عليها السماء الزرقاء . و الأراضي كلها قاحلة لا تنبت كلأ ولاعشبا ،و ليس هناك تبن، ولا حشيش. و أوراق النخلة الذابلة تترنح بالرخاء، و الرمال ملتهبة التهاب الحديد تحت المنفاخ . و الصخوروالأشواك والأقتاد على صفحتها مبعثرة . و تلمح صور باهتة السراب من بعيد وقريب . وطلعت الشمس في غيم متراكم ، و الطير الرابض في مجثمه ينفض ندى جناحيه في أشعتها ، و لم تكد تتلألأ . و التلال ناطحة السحاب ،عالية الذرى يتراءى منها للناظر بيت الله الحرم.
وها هي أم القرى! ليس هناك معين حياة ينبع ، و منبع ماء زلال يرتوي منه الناس الحوم في دينهم و دنياهم، بل غار ما غار!،
وقرع ما قرع !.
و هاهي مكة العامرة تموج بالمسرات والمباهج، عمرها إبراهيم عليه السلام بعد أن كانت أرضا جرداء لا يكسوها عشب ولا خضرة ، و الكواكب مطلة من علياء صفحة سمائها الصافية و تحتها رمضاء متقدة و صحراء مضطرمة تخرج منها القيظ و الغيظ .
وأهلها يعج بشبابها النشوان الذي لا تخمد أشواقه إلى الأهواء والملذات. وجعلت المفاوز و الطقوس أهلها العرب جبابرة و أقيالا فارهين يغنون بأمجاد آبائهم و أجدادهم ، يمرحون ويفرحون كأن الحياة كلها مهرجان عريض ، وسالت عين حياتهم ثجاجة .
وليس هناك قيود و سدود في الحياة تمسكهم من التردي و تذودهم عن الخراب.
شوارع مكة تخبط فيها الفتية خبط عشواء.
و ليس هناك نور مقدس يشعل قلوبهم الخفاقة بل ذوى و ذبل . و خفت الضوء الذهبي الذي يشرق بنور ربه بعد أن أطلقوا عنان نزواتهم ، ورغباتهم ، و بعد أن قدموا البطون و الشهوات على نقاء النفوس و الأرواح . فلم يكن للأخلاق جذور في عين وجودهم . وليس لهم سلطان و نفوذ على أرواحهم و قلوبهم تتفجر مهنا المحبة و الخير، فأغلقوا أبواب قلوبهم و نوافذها دون النور الإلهي الأسمى، فلم يعرفوا ذواتهم ليعرفوا ذات الله.
فيهيمون في طرقات ملتوية لا تقود إلا إلى عتمة حالكة ، و صرموا كل العلائق بالذات العلية، و يعدون وراء عالمهم المادي. و قطعوا كل علاقة بالروح ، ويسيرون وراء أغراضهم التافهة .
وقوافلهم التجارية بين السير والسرى من اليمن إلى الشام و من تهامة إلى حضرموت والناس جاثمون أمام الأصنام في أفناء الكعبة و داخلها يهتفون ل ” الات و الغزى . و دار الندوة مثل خلايا النحل يطفح بزعماء القبائل و العشائر شيبا و شبابا .
و سوق دومة الجندل و عكاظ مزدحمة بالناس و مفعمة بمباريات الشعر و مبارزات الرياضة ، والنساء تساوم في الأسواق والرستاق كالمتاع ،
وتفاخر بالأنساب والحمية الجاهلية شائع في البلاد والعباد ، ورحى الحرب يدور كهالة القمر و ليس حرب بعاث ببعيد و ليس ببكة أحد من يهمه دينه و خلقه ،
وليس هناك أحد يبحث عن حقيقية ما فيه قريش من الأوثان و الآله و عن حقيقة الخالق الواحد الحق المبين ، بل جرت الأيام مجراها الطبيعي و سارت في مسارها هادرة صاخبة مثقلة بفجورها و تقواها…. و ما أغرب تقواها ..!!
وها هي مكة عالم خراب و كون يباب …!!
يوم نزل الوحي
هناك أحد تقي نقي بعيدا عن مظاهر هذه الحياة يستشرف الحق و يكدح في سبيله وحيدا ، كان يتأمل و يتعبد في خلوة ووحدة.
وكان يختلف إلى غار حراء يعكف فيه بكل شوقه و توقه إلى مناجاة ربه نافضا وراء ظهره كل ما تزخر به مكة من صخب و زحام ،
وهو وحيد في غار حراء في ظلمة الليل يناجي ربه و قلبه ينطوي على الهموم والأحزان لما فيه مكة من الأوثان ، ولا تهب فيها ريح الإيمان و لا تتحرك فيها شجرة مباركة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء،
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍۢ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ،( سورة إبراهيم :24)
وهناك لا تملأ نفسه نورا و قلبه لذة وسرورا إلا المناجاة بربه .
وفوقه في السماء قمر منير أنار الأرض وجادها ونهادها و رطبها ويابسها ولكن الأرض لم تشرق نفسها فتنير ظلمتها و تبدد ما أظلمها من الفجور والشجور بل سادت في نفسها ظلمات بعضها فوق بعض.
وينحدر القمر قليلا قليلا إلى مغربه فكأنه يريد أن يفارقه ، و نوره الساطع أخذ في الانكماش شيأ فشيأ إلى أن طلع الفجر وارتحل -عليه السلام – إلى داره. هكذا استمر إلى عدة سنوات و هو يتخلى فى غار حراء بنفسه ….
وأطل شهر رمضان الكريم بنوره وبركته على الكون سنة تسع وستمائة للميلاد، ورسول الله سار إلى غار حراء على عادته المتبعة ليتعبد ويشاهد روعة الخلق والخالق فوجد الرسول العالم على غير شكله، الفضاء والكواكب في مهرجان إلهي فريد من الإبداع كأن النجوم فى حفلة سمر يتحدثن سويا، وقال فى نفسه معجبا: ما الذي بعثهم على الاحتفال والاهتلال ؟
ورأى الجبال شاهقة الارتفاع .. وفكر من أعطاها هذا الارتفاع ؟ !
رأى ضبابا يتهافت على المنحدرات ..
ويتسائل من أنزل الماء من السماء فإذا الإنسان يشرب ويرتوي و كذا الزروع والحيوان ؟!
هكذا ينغمر في التفكير لحظات .. وشعر بهدوؤ وهمود حوله فجأة ..!! يكاد يسمع نبض الدم في العروق.
ومن جانب آخر يفيض قلبه بالحب لربه و تدمع عيناه شوقا للقائه ورؤياه و لم يتمالك نفسه .. وصاح صيحة من داخله لا رب إلا الله.
فإذا لمع في الجو نور شديد الضياء على غير انتظار ، ما رأى محمد الأمين مثله من قبل. لقد أضاء الغار المظلم فكأن الشمس سطعت بالليل وتبدلت الدنيا بنورها الوهاج .
وإذا يرى مخلوقا من نور غريب الشكل والصورة ليس كأحد من البشر . يبدو أنه ملك من الملائكة .
وتقدم الملك إليه وجذبه جذبة وغطه بقوة واعتصار حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال : اقرأ ..
فقال الرسول: ما أنا قارئ..
وعاد الملك جذبه وقال : اقرأ ..
فقال : ما أنا بقارئ …
وكان يخيل إليه أنه أوشك على الموت ، فتركه الملك ،
ثم أخذه الملك وغطه الثالثة فقال : اقرأ ثم أرسله و قال :* اقرأ باسم ربك الذي خلق*
خلق الإنسان من علق * (سورة العلق :1-2) إلى آخر ما نزل..
ثم ارتقى الملك إلى السماء بعد أن أعلن مختارها و مصطفاها الذي طال ترقبه و انتظاره ..
والرسول خائف مرعوب قد امتلأ الجسد و الملابس عرقا من الذعر واحمر وجهه المبارك ، غادر الغار مسرعا تغذ الرهبة خطاه و يسائل نفسه ما هذا الذي حدث فجأة ؟ و يلتفت وراءه و أمامه و عن يمينه وشماله فيطمئن إلى أنه وحده وليس هناك أحد والرسول لا يدري أيان يسير!. فتتشبث قدماه بالأرض و يستقبل أذناه هذا النداء من الأفق “يا محمد “
أنت رسول الله و أنا جبريل “
فتوقف الرسول لحظة ثم يستأنف السير مقتلعا من الرمال خطاه متجها إلى البيت ،
حاملا إلى البشرية وثيقة رشد جديد .
فوصل البيت وهو يقول: زملوني زملوني.
و جسده يرتجف ويرتعد كالزلزال .
ففزعت خديجة أشد فزع لما رأته ، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث في غار حراء من غير إشارة سبقت و قال لها لقد خشيت على نفسي !؛
فقالت خديجة كلا …. وأبشر…
فوالله لا يخزيك الله أبدا ،
فإنك لتصل الرحم ، وتقري الضيف و تحمل الكل ، و تكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق.
ثم ذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فلما أخبرته قال ورقة هذا هو الناموس – أي الوحي – الذي كان ينزل على موسى و عيسى ، يا ليتني أكون حيا قويا إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (و هل سيخرجني قومي ؟! )
قال ورقة ما جاء رجل بمثل ما جئت إلا عاداه قومه، ولو كنت قويا لنصرتك عليهم نصرا مؤزرا.
فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا سعيدا معه خديجة . سعيدا لأنه صار نبيا و حزينا لأن قومه سيخرجونه من بلاده .
عاد رسول الله إلى غار حراء مرة أخرى ؛
لعله يرى ذلك الملك الذي نزل عليه من قبل ، لكنه لم يعد إليه تارة أخري .
فلما أوشك على العودة إذا في الأفق يلتمع الضياء ، ويراه جالسا بين السماء والأرض على الكرسي فارتعب منه . وأسرع بالرجوع إلى خديجة و هو يردد ( زملوني زملوني)
(صحيح البخاري: رقم الحديث 3)
ثم تتوالى روحات جبريل وغدواته بين السماء و الأرض .. بين الله ورسوله ..
تبليغ مهمة الوحي
و هكذا بعث الله رسولا عربيا منهم إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، معلما و مزكيا .
كما قال الله تعالى: هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ . (سورة الجمعة: 2)
وإنما بعث الرسول ليجرخ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، و من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام.
ويحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث،
و يضع عنهم أغلال الرق، و أقفال العبودية،
ويهديهم إلى الصراط المستقيم. كما عبر عنه القرآن:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، (سورة المائدة:15- 16)
فراح الرسول صلى الله عليه وسلم يغير اتجاه الناس من الشر إلى الخير، و يحول نفسية الإنسان من الفساد إلى الصلاح، ويقتلع جرثومة الخراب و الفساد من المجتمع، ويكبح جماح شهواتهم و يحسم مادة الشر ، و يغرس فيهم الإيمان بالله و حب الخير والفضيلة، ويربي نفوسهم تربية قرآنية، و يهذب أخلاقهم وأعمالهم ، و يأمرهم بالخضوع أمام رب الأرباب خمس مرات عن نقاء الجسم و صفاء القلب.
ولم تزل نصائح الرسول الغالية تزيدهم رسوخا في الدين ،و عزوفا عن الأهواء و تفانيا في سبيل الله ، و حنينا إلى الشهادة ، وحرصا على العلم والفقه في الدين حتى صاروا نجوما وكواكب يهتدى بها الناس في دياجير الليل ودسماته . و أصبحوا نماذج يقتدى بها في المجتمع والدولة.
وصاروا مظهر الآية التالية: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ، (سورة آل عمران: 110).
واجبتنا تجاه القرآن الكريم
نزول القرآن الكريم كان حدثاً عظيماً جداً وانعطافا لافتا في مجرى التاريخ حيث غيّر القرآن وجه الأرض و تاريخ البشرية جمعاء، وأخرج الناس من دياجير الشرك إلى نور التوحيد، ودلّ البشرية إلى طريق الخير والهداية والنجاة بعدما كانت تتخبّط في التيه والضلالة، فالقرآن الكريم أكبر نعمة أنعمها الله -تعالى- على البشر، مصداقاً لقوله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ، (سورة العنكبوت: 51 ) . ومن الجدير بالذكر أن للقرآن الكريم حقوقاً ينبغي على كلّ مسلمٍ مراعاتها، ويمكن بيانها فيما يلي:
الإيمان به: حيث يجب على كل من بلغه القرآن الكريم، الإيمان بأنه كلام الله -تعالى- حقيقةً، لا كما ادّعى الكفّار بأنه تنزّلاتٍ شيطانية ( نعوذ بالله)، أو كما ادّعى أصحاب التأويلات الباطلة بأن القرآن الكريم عبارة عن كلام الله، بل هو كلام الله حقيقةً، ويجب أيضاً الإيمان بأن القرآن الكريم محفوظٌ بحفظ الله -تعالى- فلا يعتري عليه تحريف المحترفين وتأويل الجاهلين، وأن منه الناسخ والمنسوخ، بالإضافة إلى أنه ناسخٌ للكتب والشرائع السابقة كلّها.
تلاوته وتدبّر معانيه: من أهم واجبات المسلم نحو القرآن الكريم تلاوته حقّ التلاوة، فقد أمر الله -تعالى- عباده بتلاوة القرآن حيث قال: وَاتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دونِهِ مُلتَحَدًا ،( سورة الكهف : 27 ).
وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ، (سورة فاطر:29- 30 ) . وينبغي أن تكون التلاوة على الوجه الذي يريد الله -تعالى- من خلال الاعتناء والاهتمام بمخارج الحروف، وإعطاء الحروف حقّها، وتعلّم أحكام التجويد التي تلقّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل -عليه السلام- وعلّمها للصحابة رضي الله عنهم، وعلّموها لمن بعدهم إلى أن وصلت إلينا.
ومن واجبات المسلم تجاه القرآن أيضا تدبر المعاني القرآنية بعناية فائقة، حيث قال الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَٰفًا كَثِيرًا ، (سورة النساء : 82)
تعلّمه وتعليمه: من الأعمال الفاضلة القيمة تعلّم القرآن الكريم وتعليمه، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ،.
( رواه البخاري : رقم الحديث 5027) .
ومن صور تعلّم القرآن الكريم حفظه وتحفيظه للغير، ولا شكّ أن في ذلك أجرٌ عظيم، فقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها ،(رواه أبو داود: رقم الحديث 1464).
التوقير: من الواجبات صوب القرآن الكريم توقيره و إكباره بأن لا يُجعل فوقه كتاب، بل يجب وضعه فوق جميع الكتب، والحذر من إهانته بأي شكلٍ من الأشكال، كإلقائه على الأرض أو أماكن النجاسات والقذارة، أو تركه في متناول الأطفال ليعبثوا به، ومن الجدير بالذكر أن أهل العلم قالوا بكفر من أهان القرآن الكريم متعمّداً، واعتبروه من الكفر العملي الذي يدلّ على وجود كفر في القلب أصلاً.
إحسان التطبيق في الحياة: فالتطبيق يعني فيما يعني، أن يكون القرآن العظيم دستور الحياة اليومية للمسلم، فعلمه وعمله وتفكيره، وتدبيره لشؤون حياته وإدارته مكاتب الحكومة والنظام…. كلها تكون خاضعة للمنهج الإلهي القويم. وإن من أكبر الجرائم والعيوب أن يحسن الواحد منا تلاوة القرآن وفهمه ثم هو يتنكب طريق التطبيق و يعرض عنه على مضض، أو أن يأخذ في تطـــبيقه بأمور توافق هواه ويترك غيرها. أَفَتؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ(سورة البقرة : 85).
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.