الشيخ ميزان مقبول
المحدث بالجامعة الإسلامية دار العلوم ديولغرام في سيلهت
الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بنصرة الدين القويم قال الله تبارك وتعالي لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. وقال النبي الله: “ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا.
تقرر الآية أصلا عظيما من أصول الدين، وهو الاتباع والتأسي برسول الله الله في أقواله وأفعاله وأحواله، وأننا نبحث على ضوء الأحاديث الصحيحة عن بعض مما يتعلق بحياة خاتم المرسلين، مما تحير فيه عقول المحدثين و تزل به قدم فحول المؤرخين وقد رأى الصحابة رضي الله عنه النبي الله رأي العين، وصحبوه طول حياته فنقلوا لنا كل ما شهدوه أو سمعوه منه بما في وسعهم من غير إفراط ولا تفريط، وعملوا لأنفسهم حتى ذكر العلامة الكاندهلوي في حياة الصحابة من أن ابن عمر رضي الله عنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها، ويخبر أن رسول الله كان يفعل ذلك (٢/٣٥٦).
وقال العلامة ابن القيم في زاد المعاد وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي الله فيجب على كل من نصح نفسه و أحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه و سيرته وشأنه فيخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه و شيعته و حزبه، والناس في هذا بين مستقل و مستكثر و محروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (١/٦٩).
شرف نسبه أنه الله ولد في مكة التي كانت في القلب من جزيرة العرب، وفيها البيت العتيق الذي كانوا بها يعظمون، وبها يطوفون وإليها يحجون، وفي قبيلة قريش التي كانت لها مزية على سائر القبائل من وجوه شتى، حيث روى في شرفها الإمام مسلم رحمه الله عن الصحابي الجليل وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله الله الله يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل عليه السلام، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفائي من بني هاشم (برقم ٢٢٧٦.
فهذا القدر كاف للشرف و الفخر لأن لفظ الاصطفاء لا يطلق إلا على الخير ونسبه الله الله إلى عدنان مما يصح به النقل، ويقره العقل لأن خلافه لم يثبت في قول من قال و إلى فوقه مقال.
قال ابن القيم في هذا الموضوع ما نصه إلى ههنا (عدنان) معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين، ولا خلاف فيه البتة وما فوق عدنان مما يجري فيه الاختلاف، ولا خلاف بين المؤرخين في كون عدنان من ولد اسماعيل عليه السلام (۱/۷۱) وقد شهد أعداؤه الا الله بعلو هذا النسب ففي حديث أبي سفيان الذي رواه البخاري وقد سأله هرقل عن نسب النبي فقال أبو سفيان: (وهو يومنذ عدو الرسول الله هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذالك الرسل تبعث في نسب قومها ” فالنبي الله والله خير أهل الأرض نسبا.
وهو عليه السلام ختن علي عادة العرب
قد شاع بين العامة من أن خاتم النبين سيد ولد آدم الله ولد مختونا لكنه اشاعة تنفر، ورواية تنكر، وقد جمعها و فصلها في سلسلة الأحاديث الضعيفة – وما ذهب إليه جمهور المحدثين والجم الغفير من المؤرخين هو أنه له ختن على عادة العرب، وكان عموم هذه السنة في العرب شائعا، وعادته جارية، وعلى تأييد رأي الجمهور يذكر قول العلامة ابن القيم حيث ذكره الإمام في مصنفه زاد المعاد ما نصه روي انه الله ولد مختونا مسرورا، وروي في ذالك حديث لا يصح، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات” وليس فيه حدیث ثابت (۱/۸۱)
إن النبي الله لم يتقلب في أصلاب الأنبياء
بعد مطالعة كتب الأحاديث والتفاسير توجد أراء العلماء في ذالك الموضوع فنقلت في دلائل النبوة رواية ذكرها أبو نعيم استنادا على أثر عن ابن عباس في قوله تعالى وتقلبك في الساجدين } ما زال النبي في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه ص ٢٥
والذي عليه رأي الأمة من العوام والخواص الذي هو رأي مجمع عليه هو خلاف ما جاء به هذا الأثر لأن آبائه الأقرباء معروفة أحوالهم ولم ينقل من أحد السلف والخلف من أن أبائه كانوا أنبياء، وهذا أثر لم يصح به نقل ولا يقره عقل ولم يوجد في بيئته من يدعي النبوة و علي تانييد الرأي المجمع عليه قد يذكر حديث أبي سفيان ما رواه البخاري حيث قال: إن هرقل سأل أبا سفيان فقال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط ؟ قال أبو سفيان: “لا” برقم 7 V
وكان آخر ما خرج من فيه الله الله اللهم الرفيق الأعلى
هو باب معركة الآراء لأن الروايات في هذا الموضوع كثيرة مختلفة نحن نذكر بعضها ما في وسعنا اختصارا ونعقبه بأقوال العلماء – اجتناءا
فذهب الإمام البخاري إلى أن آخر ما تلفظ به النبي قبل أن يودع الدنيا “اللهم الرفيق الأعلى” حيث أخبرتنا أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها كان النبي الله الله يقول وهو صحيح – إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به و رأسه على فخذيا غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى فقلت: إذا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا، وهو صحيح قالت وكانت آخر كلمة تكلم بها “اللهم الرفيق الأعلى” برقم (٤۲۷۹) وبوب عليه في المغازي من كتابه
وروى الإمام أحمد غير هذا في حديث أبي عبيدة حيث أخبرنا الصحابي الجليل قال آخر ما ما تكلم به النبي الله الله “اخرجوا يهود أهل (الحجاز و أهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” برقم ١٦٩١.
وروى الإمام أبو داؤود خلاف هذا في حديث علي، حيث أخبرنا الصحابي الجليل قال: كان آخر كلام رسول الله، “الصلوة الصلوة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم” برقم ٥١٥٢
فهذه الروايات كلها ثابتة ومحفوظة لكن علماء المتأخرين بعضهم حاول التطبيق بين الروايات فذكر في فيض القدير إنما المراد بما رواه أحمد وأبو داؤود آخر ما تكلم به الله الله من الذي كان يوصي به أهله وأصحابه و ولاة الأمور بعده فهذه الأحاديث آخريتها نسبية وأما حديث عائشة – رضي الله عنها – فأخريته مطلقة (ص ٣٥٠)
وبعضهم اختاروا الترجيح فاعتنى الحافظ ابن حجر عسقلاني ببيان حكمة في فتح الباري فقال الحكمة من اختتام كلام المصطفي بهذه الكلمة اللهم الرفيق الأعلى كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى تستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان .. لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرا بالذكر (۸/۱۳۸)
وكذالك رواية مسلم تأيده فالاعتماد على ما ذهب إليه الشيخان أفضل و أبعد عن الزلل لأن لهما مزية على غيرهما وتلقت الأمة بالقبول.